أثبت الفارس بجدارة على مدى عشرات السنين أن يبحر بقاربه الكردي الصغير في محيط العواصف و الوحشية والبربرية الى بر الآمان  وهو الأن على بعد خطوات قليلة من أمام الشاطئ.

ولد في 14 أغسطس 1946 كنجل الزعيم الكردي الأسطوري مصطفى البرزاني, كشخصية آخرى من عائلة البرزاني الكردية الأسطورية، ولد في أول جمهورية كردية  مع ولادة  الحزب الديمقراطي الكردستاني الأول، في العام نفسه وفي نفس النقطة من العالم.

ولد كالعديد من أفراد عائلة البرزاني بعيدا عن منزله وأرضه ولد تحديدا في كردستان الإيرانية الأرض التي هاجر اليها والده مع أكثر من ألف محارب في يناير 1946 لدعم ظهورأو تاسيس أول جمهورية كردية بصحبة أولاده وزوجته الحامل بمسعود.

 وبدعم من والده بالإضافة الى دعم من الإتحاد السوفيتي فالبداية استمرت الجمهورية الكردية المنفية المطلوبة ، حتى ديسمبر من نفس العام الى أن إتفق ستالين مع الإنجليز بالتضحية بالأكراد، وألقوا بهم في أيدي شاه الإيراني وقتها كان عمر مسعود بارزاني فقط عدة أشهر عندما قام القتلة وبدعم من إنكلترا  بإطلاق النار على المنطقة التي كان يعيش بها بأكملها.

 وبطلب من  رئيس جمهورية مهاباد الكردية للأكراد وقتها على عدم المعارضة لحماية  أرواح الاكراد الأبرياء.ولكن أبو مسعود البرزاني، الجنرال مصطفى البرزاني، لم يستسلم أبدا للعدو..

وعلى أثر هذه الأحداث شنق الرئيس الكردي محمد غازي مع ثلاثة من نوابيه في ساحة خوارشيره (الأربعة شموع) في  مهاباد عاصمة كردستان الإيرانية و ظلت أجسامهم معلقة هناك أكثر من يومين. في هذه الأجواء رجع مسعود  وهو على ظهر أمه بصحبة أخيه ذات السنتين ونصف و بعض الأقارب في جو ممطر مشيا على الأقدام فوق الجبال لأكثر من مئة كيلومتر في فصل الشتاء ليصلوا الى منطقتهم  برزان العراق.  

أما والده؟ فكان قراره  أن لا يستسلم الى أي من  الايرانيين او العرب في العراق على حد السواء. رحل معه أكثر من 500 مقاتل سيرا على الأقدام على طول سلسلة  الجبال التي كانت  كالجدار الصلب بين تركيا وإيران بإتجاه الحدود السوفيتية، لأكثر من 200 كم في فصل الشتاء، من دون طعام، دون أي شيء، كادت أن تكون مسيرة الموت. لا نعلم بعد هذه المسيرة الصعبة كم من  المحاربين ماتوا ولم يبقوا على قيد الحياة؟أما الذين عاشوا  مع زعيمهم مصطفى برزاني وصلوا  إلى أرض الاتحاد السوفياتي الأرمني …والتي كانت تحت حكم ستالين، والذي تم إرسالهم إلى آسيا الوسطى ولا نعلم كم منهم عاشوا.  

أما مسعود فقد عاش مع عائلته في قرية نائية في أعماق الجبال في منطقة برزان العراق وأحيانا تحت الصخور والتي كانت تحت الحكم  المركزي الملكي   للعراق في ذاك العهد .

 

Legendární vůdce Kurdů M.Barzani v Praze (1958)

وفي عام 1958 عندما أعلن  الجيش العراقي  سقوط الملك وأعلان الجمهورية إستطاع والده مصطفى برزاني بعد 12 عاما من المنفى في الاتحاد السوفيتي العودة أخيرا إلى بيته مرورا  ببراغ حيث كان صديقه د. عبد الرحمن قاسملو أستاذا في كلية الاقتصاد في براغ.

 ورأى مسعود والده لأول مرة بعد 12 عاما.

 

 

فخلال العامين الأول والثاني، أي حتى عام 1961، عاشت الأسرة وعائلة برزاني بأكملها بهدوء لأول مرة منذ عام 1905. استخدموا السلام لتعزيز الحزب الذي أسسه والده في عام 1946 قبل أن يضطر إلى الرحيل إلى الاتحاد السوفيتي ولم يتم تسمية الحزب بأي طريقة أخرى غير الحزب الديمقراطي الكردستاني! نعم كلمة ديمقراطية في الوقت الذي كان ينظر إلى هذا التعبير في الشرق الأوسط بين السياسيين في جميع أنحاء الشرق الأوسط على أنه كالشيطان والكابوس.

وانتهى الكفاح من أجل إضفاء الصبغة الديمقراطية ليس على كردستان فقط وإنما للعراق كله

 وتحت شعار “الديمقراطية من أجل العراق كله وشعار الحكم الذاتي لكردستان”  أدى بالتدخل العسكري من بغداد وبدأت سلسلة من سنوات  من سفك الدماء البريئة. وما كان على الزعيم الكردستاني مصطفى البرزاني سوى العودة إلى جبالهم الكردية الأمينة  مرة أخرى، ومسعود  البارزاني، مثل شقيقه الأكبر إدريس البرزاني،و والده مصطفى البرزاني، ذهبوا  جميعا بإسلحتهم جنبا إلى جنب للدفاع عن الديمقراطية ضد الجنود العراقيين مرة أخرى من خلال  جبالهم الوفية  التي لم تخون الأكراد أبدا.

استمرت حربهم من أجل الديمقراطية في العراق ومن أجل الحكم الذاتي لكردستان العراق حتى 12 مارس 1970 حيث وأخيرا عسكريا أجبروا حكومة بغداد إلى احترام المبادئ الأساسية للديمقراطية من أجل الحكم الذاتي لكردستان العراق من خلال التوقيع على الاتفاق! لذلك، وبفضل النضال الكردى من أجل الديمقراطية فى العراق إستطاع  الحزب الديمقراطى العراقى أن يعمل وكان يرأسه شخص كردي أيضا أن يعمل بشكل قانونى فى الشرق الأوسط من العراق.

وفي دلك الوقت كان مسعود “شابا” يقود، عند الضرورة، كضابط مسوؤلا عن البشمركه حيث كان يحضىر الاجتماعات مع ممثلي حكومة بغداد أو ممثلين الجهات الأخرى في المنطقة.

 

Masud Barzani v boji za demokracii

 

ربما لم يكن لديه الفرصة للدراسة والحضور الى  الكلية ككلية أكسفورد أو هارفارد، ولكن منذ أن جاء إلى الدنيا، فهو في قلب الأحداث، وكان جزءا لا يتجزأ من الشرق الأوسط لأكثر من 71 عاما.

وعقب اتفاق العراق مع ايران، لم تعد حكومة بغداد في عام 1974 تمدد الاتفاق حول الديموقراطية على العراق والحكم الذاتي لكردستان التي كان يحكمها صدام حسين في بغداد. ومرة أخرى، بدأ  الحرب بين الأكراد وبغداد، وهذه المرة بقيادة صدام، ومن جديد كانت هناك حاجة إلى الهجرة، عندما كان مسعود ووالده وجميع أفراد عائلته والحزب الديمقراطي الكردستاني بأكمله للهجرة إلى إيران المجاورة حيث كانوا محتجزين في مخيمات مؤقتة للاجئين. في ذلك الوقت، عرف مسعود، والده، وعائلته بأكملها مع الأمة الكردية، بأكبر خيانة للولايات المتحدة وحلفائها المخلصين الأوفياء للشاه الإيراني ولصدام.

لقد قاتلوا لسنوات مريرة إفتراضيا أنھم دافعوا عن القیم الدیمقراطیة في محيط النظام البربري، وأنھم کان لدیھم دعم شرعي للعالم الدیمقراطي. لكن العالم الديموقراطي ألقاه في أيدي الطاغية شاه وصدام … ولم يتمكن والده، الزعيم الكردي الأسطوري، من النجاة من الغدر، وتوفي في أمريكا، التي قدمت له الرعاية الطبية على الأقل، وتوفي بقرب أبنائه، بما فيهم مسعود.

بعد وفاة والده، منذ عام 1979 كان يقود الحزب الديمقراطي الكردستاني في حكم صدام. وقد حاول أن ينقذ على الأقل جزءا من أسرته والأكراد في العراق من الإبادة الجماعية، دون أي وسيلة أجتماعية.

كان شاهد لمجزرة صدام حسين بغاز سام، و كيف كانت إيران متمركزة بأحزاب سياسية كردية أخرى، أو كيف كتبت تركيا ووسائط الإعلام عنهم أنهم قبيلة أو عشيرة غير متعلمة، وهتف القوى الأكثر بدائية في البلاد ضدهم بالنسبة له، و كانت جميع أبواب البلدان مغلقة في أوروبا من الشرق إلى الغرب.

 

Co dodat ?

 

لم يفقد مسعود برزاني أمله وكرامته وفخره وضميره وخاصة محبته للأكراد والشعب بالمعنى الأوسع للكلمة حتى في أصعب اللحظات التي استمرت لعقود. كان قادرا على إعطاء يده لصدام، الذي سبق أن ذبح الآلاف من أقاربه، ودائما يأمل أن يوقظ البشرية في الإنسان، ومازال يؤمن بها حتى يومنا هذا.

قبل عام 2003، أي قبل الغزو الأمريكي للعراق، أعطى الأميركيين 5000 من  مقاتليه لتدريبهم في الولايات المتحدة. ثم كان هناك غزو، وكتب مسعود وأصدقائه إعلانا في الصحافة الأمريكية بعنوان “لا تخوننا هذه المرة لأننا شبعنا من الخيانه

 

Mesud Barzani s G.Bush em

 

وهو السياسي الوحيد  ليس فقط في العراق، وإنما في المنطقة كلها، الذي حاول بكل جهده إقامة حكم ديمقراطي في العراق منذ عام 2003، ولكن عبثا. ويعتبرهو وشعبه في العراق  كأقلية الذين يقفون عاجزين عن  إداء المهمة، وظلت لسنوات دون دعم حتى بعد عام 2003.

 

Mesůd Barzani s Milošem Zemanem v Praze

 

 وظل  الدعم الغربي يذهب  إلى أولئك الأقوياءالقابعين في بغداد التي تسيطر على النفط والمال.

يعتبر مسعود البارزاني من أكثر السياسيين خبرة في الشرق الأوسط، وأثبت لعدة عقود أن يبحر بقاربه الكردي الصغير بآمان بالإقتراب من الشاطئ عبر المحيط المدمر، والآن يقف على بعد بضعة أقدام بعيدا عن الشاطئ، وكالعادة وحده بدون الدعم الذي يستحقه.اليوم  أرسل مسعود بارزاني، بنظرته وملامحه الهادئة والأنسانية،البارحة  رسالة إلى العالم:

“من أجل دولة كردستان ديمقراطية ومستقلة وقانونية، سأبذل قصارى جهدها لآخر قطرة من دمي

 

 

 

هل سيسمع ولو لمرة واحدة على الأقل عالما متحضرا من البحار قائد قارب الديمقراطية الصغير عبر محيط من النظام البربري؟

.